![]() |
تحدي التداول بالعملات الرقمية في الجزائر |
في خطوة مفاجئة ودراماتيكية، أعلنت الجزائر يوم 24 يوليو 2025 تشريعًا جديدًا (القانون رقم 25‑10)، يُجرم التعامل بكل أشكال العملات الرقمية والأصول الافتراضية داخل التراب الوطني، ويُصدر تدابير صارمة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وقد دخل هذا القانون حيّز التنفيذ فور نشره في الجريدة الرسمية رقم 48 بتاريخ 28 يوليو 2025 .
السياق القانوني السابق
منذ قانون المالية لعام 2018، كانت الجزائر تعتبر التعامل بالعملات الرقمية جريمة، وحظرت شراءها أو بيعها أو استخدامها أو حيازتها، وفقًا للمادة 117 من القانون المذكور . إلا أن الحظر آنذاك كان جزئيًا أو غير مفصل، ما ترك المجال لبعض الحالات الرمادية، ولا سيما في التعامل عبر المحافظ الرقمية والمنصات اللامركزية.
تفاصيل القانون الجديد (رقم 25‑10)
1. التغطية الشاملة
القانون يضمّن إضافة جديدة (المادة 6 مكرر ضمن المادة 5 من قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب) تنص على منع إصدار، شراء، بيع، استعمال، حيازة، اتجار، أو الترويج بأي شكل من الأشكال لأي أصول افتراضية سواء كانت بيتكوين أو تيثر (USDT) أو غيرها . كما يشمل المنع أيضًا عمليات تعدين هذه العملات أو إنشاء أو تشغيل منصات تداول أو محافظ رقمية مرتبطة بها .
2. تصنيف الأصول الرقمية
وفقًا للنص القانوني، تُعدّ هذه الأصول جزءًا من الأموال أو الممتلكات أو العوائد أو الأصول ذات القيمة المالية، وتُعامل على أنها وسيلة دفع أو استثمار، مما يجعل التعامل بها يخضع لقوانين الجرائم المالية .
3. العقوبات المقررة
تنص المادة 31 مكرر على فرض عقوبة السجن من شهرين إلى سنة واحدة و/أو غرامات مالية تتراوح بين 200,000 إلى 1,000,000 دينار جزائري (ما يقارب 1,540 إلى 7,700 دولار) . ويُحتمل أن تُشدد العقوبات إذا ارتبطت المخالفات بالجريمة المنظمة أو عمليات غسل أموال واسعة النطاق .
4. الهدف المعلن للقانون
تعزيز مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتقوية آليات الرقابة المالية، بما يتماشى مع معايير **مجموعة العمل المالي (FATF)** .
الحد من مخاطر تقلبات السوق والمضاربة غير المنظمة التي يمكن أن تؤثر على الاستقرار المالي للمواطنين والاقتصاد الوطني .
فرض سيطرة الدولة على النظام المالي ومنع تداول رؤوس الأموال خارج النظام البنكي، عبر إغلاق منافذ العملات الرقمية كطرق تحويل غير رسمية للثروات أو تمويل أنشطة مشبوهة .
ردود الأفعال والتبعات العملية
1. انعكاسات على المواطنين
على الرغم من الحظر السابق، فإن هناك اهتمامًا متناميًا بين فئة الشباب في الجزائر بالاستثمار في العملات الرقمية، إلى جانب تطور أنشطة التعدين غير الرسمية، لا سيما في مناطق الجنوب حيث تكاليف الكهرباء أقل . ويحذر القانون الجديد صراحةً هؤلاء المستخدمين من المخاطرة بفرض عقوبات جنائية على مجرد حيازة العملات الرقمية أو المشاركة في معاملات بسيطة.
2. تأثير على منصات التداول والخدمات المالية
يتم الآن تجريم تشغيل منصات تبادل العملات الرقمية أو تقديم خدمات المحافظ الإلكترونية أو ترويجها، ما يُجبر أي جهة على إيقاف أنشطتها في الجزائر فورًا .
3. إجراءات الرقابة والتنفيذ
من المتوقع أن تشارك البنوك والمؤسسات المالية (ضمن المادة 7 من القانون المعدل) في تنفيذ التدابير التصحيحية، عبر التحقق من هوية العملاء ومراقبة العمليات الماليّة والإبلاغ عن أي تحويلات مشبوهة أو غير معروفة المصدر، مع فرض غرامات تصل إلى 5 ملايين دينار (أكثر من 38 ألف دولار) على المؤسسات المخالفة والقيادات المسؤولة .
4. مقارنة على المستوى العالمي
تنضم الجزائر بموجب هذا القانون إلى دول قليلة تتبع سياسة الحظر الكلي للعملات المشفرة، أبرزها الصين، بينما العديد من الدول الأخرى تتجه نحو تنظيم القطاع عبر تراخيص وضوابط بدلاً من الحظر التام .
كما تواكب الجزائر توجّهات بعض الدول العربية مثل مصر التي فرضت قيودًا مماثلة خفيفة على التداول أو الاستثمار بالعملات الرقمية .
تقييم السياسات
الإيجابيات المتوقعة
تقوية الإطار القانوني للسيطرة على التدفقات المالية غير الشرعية، وتحقيق التزامات الجزائر تجاه قواعد FATF وتعزيز مصداقيتها الدولية .
تحييد المخاطر المالية المرتبطة بالتقلبات الشديدة للعملات الرقمية وحماية المستثمرين المبتدئين من الاحتيال وسقوط قيمة الاستثمارات فجأة.
السلبيات والمخاوف
إخفاق في استغلال التكنولوجيا المالية (FinTech) وتقنية البلوكشين التي يمكنها أن تُسهم في الابتكار المالي والتوثيق الرقمي، كما ورد في تحليلات سابقة لمستقبل القطاع الرقمي في الجزائر .
احتمالية انتشار السوق السوداء والتداول غير الرسمي عبر شبكات P2P أو VPN، مما قد يزيد من صعوبة الرقابة ويفلح في تحويل الأنشطة تحت الطاولة بدلاً من القضاء عليها كليًا .
إعاقة الاستثمارات الأجنبية في مجال التكنولوجيا المالية الناشئة في الجزائر، خصوصًا أن المستثمرين العالميين يفضّلون الأسواق التي تتبنى تنظيمًا حديثًا بدل الحظر.
سيناريوهات مستقبلية محتملة
1. صيانة الحالة الراهنة: استمرار التطبيق الصارم للمنع بدون تراجع، مع تعزيز التدابير الرقابية.
2. تطوير تنظيم تدريجي: في حال الضغوط المحلية أو الاقتصادية، قد تُراجع الحكومة موقفها مستقبلاً، فتمنح تراخيص محدودة أو مناطق تجريبية لتطبيق تقنيات البلوكشين دون السماح بالتداول الحر للعملات.
3. انفجار سوق غير رسمي: قد يؤدي استمرار الطلب المحلي لوسائل بديلة إلى تنامي التداول عبر شبكات لامركزية أو تبادل P2P، ما يعقد السيطرة ويعطل أهداف القانون.
الخلاصة
منع التداول بالعملات الرقمية في الجزائر عبر القانون رقم 25‑10 (المصادق عليه في 24 يوليو 2025) يمثل نقطة فاصلة في تطور السياسات المالية الرقمية في البلاد. هو خطوة تشريعية تكريسية لتضييق السيطرة على الأصول الرقمية، وتعزيز الإطار القانوني لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، لكن في الوقت نفسه يطرح تساؤلات حول تأثيره على الابتكار المالي والمواكبة العالمية للتكنولوجيا.
باختصار: الجزائر اختارت اليوم مسار الحظر والتجريم الشامل بدل تنظيم مبتكر. من يعارض يرى أنّ ذلك يحرم البلاد من فرص اقتصادية وتكنولوجية واعدة، ومن يدافع يؤكد أنّه مواجهة ضرورية لمخاطر مالية حقيقية. يبقى الرهان على ما سيؤول إليه الوضع: هل ستستمر الجزائر في تشديد القبضة؟ أم ستنعطف نحو تنظيم مرن يحمي الاقتصاد الوطني ويحتضن الحداثة الرقمية؟
---
المصادر الرئيسية المستخدمة:
الجريدة الرسمية والقانون رقم 25‑10 (المادة 6 مكرر، 31 مكرر)
تغطية محلية ودولية لتفاصيل القانون وأسبابه والعقوبات
السياق القانوني منذ 2018 وتقييمات مستقبل العملات الرقمية #الجزائر #العملات_الرقمية #البيتكوين #القانون_الجزائري #تعدين_العملات #حظر_العملات_الرقمية #الأصول_الافتراضية #غسل_الأموال #تمويل_الإرهاب #قانون_25_10 #الاقتصاد_الرقمي #البلوكشين #التشريع_الجزائري #العملات_المشفرة #الأخبار_الجزائرية #مدونة_اقتصاد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يرجى التعليق باحترام